مبدع البطاخ المــدير العـــام
عدد المساهمات : 1374 نقاط : 140069013 السٌّمعَة : 0 تاريخ الميلاد : 10/03/1993 تاريخ التسجيل : 04/04/2011 العمر : 31 الموقع : احمد لتصميم المواقع الاسلامية
| موضوع: غرور الشباب وتعاليه على النصيحة الإثنين 02 مايو 2011, 10:49 | |
| غرور الشباب وتعاليه على النصيحة
| يحدِّد بعض علماء النفس (غرور الشباب) وتعاليه على المشورة والنصيحة والإستماع لرأي الكبار بخمس سنوات من (16-20) سنة، وقيل عشر سنوات من (15-25) في هذه الفترة تبدو القناعة راسخة أن عقلي كمراهقة راجح، وإنّ معرفتي واسعة، فلم الحاجة للرجوع إلى مرجع أو مستشار، لكنني أنسى أنّ المشورة نافعة في كلّ حين، وكلّ مكان، ومع كلّ الأعمار.. فلستِ الوحيدة التي تحتاجُ إلى المشورة.. حتى المستشار نفسهُ يحتاج إلى المشورة من غيره وفي غير مجال إختصاصه، بل حتّى في هذا المجال فيما لا يعرفهُ منه، ولذلك فالذي قال – وهو صادق – "مَن شاور الناس شاركها عقولها" كان يعلم جيِّداً واحداً لا يكفي وأن تجربة واحدة لا تكفي. غرور الفتاة المراهقة قد يوقعها في مطبّات قد تصعب النجاة من بعضها، وقد تصحو بعد فوات الأوان تشعر بالندم لأنّها لم (تستشر) قبلُ أن (تُقدِم)، وحين تقع في الخطأ وتحسُّ بضرره أو مرارته، تعرف كم كانت مغرورة حين خاطبتها نفسها أن ما تعلمينه هو الصحيح. غرورُ الشباب قد يتواضع قليلاً فيحمل بعض الفتيات على (الإستشارة)، ولكن إستشارة مَن؟ إستشارة فتاة في مثل عمرها: (صديقة، جارة، زميلة، قريبة)، وقد تثير عليها من موقع خبرتها الناقصة أيضاً (فتورّطها) بدلاً من أن (تنفذها).. إنّنا لا نمنع الفتاة من أن تستأنس برأي واحدة من هؤلاء كتقليب للرأي على وجوهه المختلفة، لكننا لا ننصح بأن يكون إعتمادها الأخير أو الكلّي عليه. في الطبّ النفسي هناك مدرسة (1) تقول إنّ غرور الشباب وطيشهم هو نوع من جنون وهو ضعف عقلي سريع يظهر عند البلوغ، ومن المحتمل أن يكون نتيجة إضطراب إفراز الغدد الداخلية. وعلاج الضعف العقليّ أو نقص المعرفة – كما ألمحنا – هو أن نضيف إلى رصيد عقلنا رصيداً عقلياً آخر أو أكثر من رصيد، على أن نُحسن إختيار (المستشار) فليس كل كبير يصلح أن يكون مستشاراً، فالفتاة الكبيرة الفاسدة، والفتاة الكبيرة الخائنة، والفتاة الكبيرة المتحلّلة والفتاة الكبيرة الكاذبة والأخرى الخبيثة المتورطة التي تسعى لتوريط الأخريات بدافع من حقدها وخبثها وتلبّسها بالمعصية.. هؤلاء وأمثالهنّ ليس فقط لا يصلحن كمستشارات، بل قد يساهمن في (خراب) حياتك و(تدمير) شخصيتك.. فانتبهي واحذري.. وكوني دقيقة في إختيارك لمستشارك. أنتِ كمن يعبرُ جسراً قلقاً.. على الضفة الأولى (أمان) وعلى الضفة الثانية (أمان) الخطورة في عبور الجسر.. فإذا عبرتيه بسلام انتقلتِ من أمان إلى أمان، فعلماء التربية يعاضدهم علماء النفس والإجتماع يرون أنّك كلّما ابتعدتِ عن مرحلة البلوغ الأولى.. هدأت أحاسيسك واستقرت مشاعرك النفسية واتزنت مسيرتك العاطفية، ونضجت عقلاً وفكراً وخُلقاً وسلوكاً. إنّها مرحلة الإنتقال من (اللااستقرار) إلى (الرُّشد) (2)، وهي تحتاج إلى وقت مناسب حتى تتمّ أو تنجز. هل تصبرين على إجتياز الجسر؟ أم تريدين الوقوع في النهر؟ بعض اللواتي سقطن في النهر وجدن مَن يأخذ بأيديهنّ لينتشلهنّ من مجرى الماء الجارف، فكتبت لهنّ حياة جديدة، وبعضهنّ ابتلعن التيار فرُحن ضحايا الغرور الفارغ.. كن يتلقين النصيحة ولا يسمعنها.. ويجدن المشورة ولا يأخذن بها.. ويرين التجربة فلا يتعظن بها. الجنس.. هل يمكن أن يكون حاجة مؤجّلة؟ تقول الحقائق العلميّة أنّ نشاط الغدد الجنسيّة لدى كلّ من الجنسين في مرحلة البلوغ لها تأثيراتها النفسيّة والروحيّة على كلّ من الشاب والفتاة. (الكسيس كارل) يرى أنّ هذه الغدد تؤثر في القدرات الروحية.. يعتقد أنّ الفنانين والشعراء الكبار والقديسين والغزاة كانت لديهم رغبات جنسية شديدة، وإنّ إزالة هذه الغدد على البالغين أدّت إلى تغييرات في حالاتهم النفسيّة، وإلى فقدان شخصيتهم بالتدريج، وفي المقابل فإنّ إزالة المبيض عند النساء أدّى إلى إصابتهنّ بالكآبة، فقدان قسم من نشاطهنّ الفكري والحس الأخلاقي. إذاً، ما أودعه الله فينا من غريزة جنسية له تأثير جسدي ونفسي فينا أيضاً، كما تقدّمت الإشارة إلى التلازم الجسدي والنفسي في كيان الإنسان، فهذه الغريزة تخلق الرغبة بالزواج وإنجاب الأولاد وتكوين الأسرة وتواصل الأجيال. ومن بين ما أثبتته الدراسات النفسية إضافة إلى أنّ المراهق في تغيّر من الناحية العضوية، ما جاء في أبحاث العالم (هاروكس) في كتابه (علم نفس المراهق) من أنّه – أي المراهق أو المراهقة – غير ناضح من الناحية العاطفية، وذو تجربة محدودة، وتابع للوسط البيئي ثقافياً، يريد كلّ شيء، لكنّه لا يعرف ما يريد، يتصوّر أنّه يعلم كلّ شيء، لكنّه لا يعلم شيئاً.. يعيش في حلم وخيال.. إنّه ثملٌ واعٍ ونائم صاحٍ.. والفتاة المراهقة تقضي أكثر وقتها لوحدها، وتميل الإستغراق في أفكارها بعيداً عن الآخرين.. أي أن تعيش في عالم خاص. ومعنى (يريد كل شيء لكنّه لا يعرف ما يريد) أي إنّه كثير الطلبات والمتوقعات، لكنّه لم يحدِّد بُعد وجهة نظره أو هدفه بشكل حاسم.. ألا ترين إنّك تريدين أن تصبحي طبيبة مرّة، ومعلِّمة مرّة، وكاتبة مرّة، إلى أن يأتي اليوم الذي تحسين فيه إختيارك لصالح عمل أو حرفة أو مهنة ترين نفسك فيها أكثر.. وأمّا القول: (يتصوّر أنّه يعلم كلّ شيء لكنّه لم يعلم شيئاً) لا يعني أنّ المراهق جاهل تماماً، لكن معرفته لا تزال محدودة، لأن تجربته في الحياة قصيرة، وكلما عمّر أطول تكشّفت له الحقائق أكثر، وعرف (واعترف) أيضاً أنّه حينما كان يتصوّر بعض الأشياء بنحو معيّن، كان (ساذجاً) و(طفولياً) وقليل الخبرة، وربّما يضحك على بعض تصرّفاته أو تخيلاته وتصوراته التي كان يظنّ أنّها هي الحقيقة المطلقة. أمّا قضاء بعض أوقاتك وحيدة، وأنّك تميلين إلى الإستغراق في بعض الأفكار بعيداً عن الآخرين، فهو شيء إيجابي أيضاً.. هذا يعني أنّكِ بدأتِ تفكرين.. نشاطك العقلي والذهني بدأ يتسع، وإنّما تطلبين (الخلوة) و(الإعتكاف) أحياناً للتأمّل الباطني والنظر فيما حولك.. لك الحقّ في ذلك، على أن لا تتحول تلك الأوقات إلى إستغراق تامّ وانعزال طويل وشرود كلّي. خذي وقتك في التأمّل.. لكن ارجعي إلى الواقع بعد كل رحلة تأمّل.. أضيفي شيئاً من الواقعية على أحلامك وتصوراتك، لا تستلمي كريشة في مهبَ الريح للخيال يذهبُ بكِ إلى حيث يشاء.. فقد يُلقي بكِ في المتاهات والمزالق. الأنبياء المفكِّرون.. الأُدباء.. الكُتّاب.. الفنّانون.. يحتاجون إلى فترات من التأمّل، لكنّهم يتأمّلون في ما ينبغي عمله وتحقيقه، وليس في ركوب بساط الريح ليقلّهم على جناحهه إلى حيث يريدون.. أو يديرون (خاتم سليمان) ليأتيهم بكل ما يشتهون، أو يفتحون القمقم السحري ليحضر الجنّي الذي يهتف: "شبيك.. لبيك.. عبدكِ بين يديك.. مرني أطيعكِ". الحياة – يا أيّتها المرأة الجديدة – فيها (الواقعي) وفيها (الخيالي).. ومن فضل الله تعالى علينا ونعمته أن رزقنا نعمة التخيّل.. لأنّها تخفّف بعض آلام الواقع الذي نعيشه، لكن التخيّل كالعقاقير لابدّ أن تؤخذ بنسبتها المعقولة، وإلا فإنّها إذا زادت ضرّت. نعم، يمكن أن تنطلقي من المتخيّل لتحسين الواقعي، وهذا هو أفضل حالات التخيّل أو السياحة الذهنية. هنا لابدّ أن نقف وقفة واعية لندرس التأثير الذي تتركه التغييرات الجنسيّة في حياتنا، لنتعامل معها بشيء من العلمية وشيء من الواقعية أيضاً. 1- الغدد الجنسية (بالنسبة للشباب) والمبيض (بالنسبة للفتاة) جزء من التكوين الجسدي لكلّ منهما، ولمّا أعدّ كلُّ منهما له، أي أنّ لهما موقع خاصّ ووظيفة خاصّة في الجسد، ولهما إفرازات معيّنة، ولكن الغرائز ليست في قياس واحد، فهناك مثلاً فرق بين غريزة الجوع (الحاجة إلى الطعام) وغريزة الجنس (الحاجة إلى المعاشرة)، هناك يموت الإنسان إذا لم يلبّها لفترة معيّنة.. هنا المسألة مختلفة، فقد يعيش الإنسان ويموت ولا يعاشر الجنس الآخر. غريزة الجوع تتحرّك ذاتياً وتلقائياً، إذ تدقّ جرس الإنذار في معدتنا كلّما شعرنا بلذعة الجوع أو حاجة الجسد إلى الغذاء، أمّا غريزة الجنس فتتحرّك بتحريض ذهني أو دفع خارجي.. أي أنها تحتاج إلى مثير ومؤثِّر أو محرِّض حتى تنفعل، وإذا لم يحصل هذا فهي تبقى راقدة راكدة (3)، فهي أشبه شيء ببعض الحيوانات المفترسة إذا هاجمته استثرته فهاجمك، وإذا تحاشيته سكت عنك.. علمياً ثبت أنّ الرغبة الجنسية هي عملية (ذهنية) أكثر منها (جسدية).. فعلى سبيل الفرض لو أنّ إنساناً تناسى غريزته الجنسية تماماً وانشغل عنها في أمور أخرى إنشغالاً كلّياً، لما وجد الحاجة أو الرغبة لممارسة الجنس، فالمريض الراقد في فراش المرض لا يستغني عن الطعام ولذلك يزرق له في الوريد إن لم تكن معدته مستعدة لإستقباله، لكنّه لا يحتاج إلى الجنس طوال فترة مرضه، فالفرض السابق ليس مجرّد إفتراض، بل أمر واقعي مُعاش ومجرّب (4). 2- دلّت أحدث النظريات العلمية الحديث على أنّ إدخار أيّة قوّة غرائزية جنسيّة أو غير جنسيّة – كقوة الغضب والإنفعال مثلاً – على عكس ما كان سائداً ومتصوراً من أنها تسمِّم الجسم أو تصيبه بالمرض، بل تفيد في رفد وتغذية القوى البدنية الأخرى ومنها العقليّة، أي أن تقنين إستخدام الغرائز والتحكم فيها يوظفها فيما يُسمّى علمياً بـ(تحويل القوى) ولذلك فالذين يفرطون في إستخدام غرائزهم الجنسيّة، تضعف قواهم الأخرى، ممّا يؤكِّد صحّة هذه النظرية، وحين نسوقها هنا لا ندعو لتعطيل الموهبة الإلهيّة، بل نطرحها كجزء من ثقافة جنسيّة متكاملة. 3- شاءت حكمة الله في الخلق والإبداع أن لا يخلق جهازاً ولا غدّة إلا ولها وظيفة معيّنة وقد حدّد لكل جهاز وظيفته المشروعة والتي تلبّي حاجته، فجعل الزواج هو طريق تلبية الرغبات الجنسية بين الجنسين، ولإستمرار النسل البشريّ، وما عداه طرقاً معوجّة وملتوية وغير مقبولة شرعاً (بإمكانكِ أن تجري دراسة مقارنة بينَ ما تسببت به الحياة الجنسية غير الشرعية من أضرار ومساوئ وجرائم ومفاسد وأمراض، وبين ما تحقِّقه الحياة الجنسية الزوجية من سكينة وإستقرار وراحة بال ودفء الحياة وبهجتها). 4- أراد اللهُ تعالى للشاب وللفتاة أن يبتعدا عن أجواء الإثارة، فليست الفتاة وحدها المطالبة بإرساء أجواء العفّة، بل الشاب أيضاً، وكلّما تقلّصت أجواء الإثارة خفّت حدّة التوتر الغرائزي، أو ما يصطلح عليه البعض بـ"حالة الطوارئ الجنسية". في أكثر من إستبيان لعينات من فتيات عربيات ومسلمات حول تأثير وسائل الإعلام في تأجيج الرغبة الجنسية، أكّدت نسبة 80% منهنّ أنّ مشاهدة الأفلام المثيرة تُلهب هذه الرغبة عندهنّ، ولذلك فإن معنى (وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَا) (الإسراء/ 32)، أو (وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ) (الأنعام/ 151)، هو أن لا تحوموا حولها لأنّكم إذا فعلتم وقعتم في حفرها ومطبّاتها ومزالقها ومهاويها وبعض الوقوع) ليس وراءه (خروج)! 5- التجارب الواقعية دلّت على أنّ أفضل سُبُل العفّة للفتيان والفتيات على السواء هي الزواج، ولمّا كانت ظروف الزواج ليست ميسّرة دائماً، بل هي صعبة أو (مصعّبة) في أكثر الأحيان، فإنّ إلتزام العفّة لحين التمكُّن من الزواج شرط وإن كان صعباً إلى حدٍّ ما إلا أنّه بلا بديل (5). إنّ تجربة مريم (ع) ليست تجربة خاصّة بأُم السيد المسيح (ع)، هي نموذج قرآني أو مثل أعلى لكل فتاة مسلمة تريدُ الحفاظ على عفافها وسمعتها ودينها وأخلاقها، ولذلك قال عنها تعالى في مورد ضرب المثل لكلّ النساء: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا... * وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) (التحريم/ 11-12). فهي مؤمنة بما أنزل الله ومطيعة ومخلصة لله وملتزمة بما أراده تعالى منها. هي ليست تجربة العزوف عن الزواج (لخصوصية النذر والوقف في قصة مريم لتكون فتاة المعبد)، لكنّها بالتأكيد قصة (العفاف) الذي هو ممكن طالما أنّ إمرأة مؤمنة كمريم حافظت عليه أشدَّ المحافظة: (... يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا) (مريم/ 23). فحتى في الغرب الذي تشيع فيه الفاحشة واللقاءات الجنسية المحرّمة، نجد هناك دعوات لإلتزام العفّة، وإنّ بعض الفتيات يرفضن أي عمل جنسي غير مشروع قبل الزواج. 6- ليست العلاجات المطروحة لتأمين الإستقرار النفسي قبل الزواج من قبيل توثيق العلاقة مع الله تعالى، وطلب العلم، والإنشغال بإبداعات ونتاجات ومواهب أدبية فنّية ورياضية.. هي مجرد "مسكّنات".. هي علاجات حقيقية، لكنّ المريض الذي لا يأخذ الدواء بحسب توصية الطبيب من حيث التوقيت وجرعة الدواء والإلتزام بالتوصيات المرافقة لذلك، يجب أن لا يلوم الطبيب على وصفته بأنّها لم تكن شافية، بل يجب أن يلوم نفسه على عدم الأخذ بشروطها، فأيّ دواء مهما كان فعّالاً لا يفعل فعله إلا إذا تمّ تعاطيه وفق التعليمات المنصوص عليها صحّياً. ولكي تتضح الصورة أكثر، إعلمي أنّ هناك مدرستان متناقضتان في فهم دور الغريزة الجنسية في حياتنا، وكلاهما منحرفتان عن الإتجاه السليم والصحيح: المدرسية المسيحية (الرهبانية) التي قمعت الغريزة قمعاً قاسياً ظنّاً منها أنّها الطريق للبناء الروحي، متجاهلة أنّ الله أودعها فينا لا ليعذّبنا بها، وإنّما لنضعها في مكانها الصحيح. والمدرسة الإباحية (الفرويدية) (6) التي اعتبرت الغريزة الجنسية هي محور الحياة بكلّ طاقاتها وتفاعلاتها ونشاطاتها ومشاكلها، والتي ترى أنّ الأمراض العصبية ناشئة وناتجة عن عدم إشباع الرغبة للجنس. وهذه المدرسة نشأت على أعقاب المدرسة الأولى، أي كردّة فعل عنيفة لها، ففي حين تجاهلت الأولى دور الغريزة في حياة الإنسان، واعتبرت العلاقة بين الرجل والمرأة عملاً حيوانياً سيِّئاً ومشيناً وقذراً وشريراً، فتحت الثانية الأبواب على مصاريعها، لتخالف كلٌّ منهما الطبيعة الإنسانية، ممّا ترتب على كلا المنهجين أو النظريتين نتائج وخيمة. الإسلام كدين وتربية وأخلاق ومنهج حياة، وقف موقفاً وسطاً، فلم يعتبر المعاشرة الجنسية عملاً حيوانياً، بل اعتبر ذلك من لذائذ الحياة الطبيعية التي أباح الله تعالى للإنسان أن يستمتع بها ضمن خط مرسوم وثابت ومعلوم: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ...) (الأعراف/ 32). فالغريزة الجنسية منظور إليها من ناحية المشرِّع الإسلامي نظرة إعتدال وتوازن، فلم يكبتها ولم يقمعها، بل دعا إلى تلبيتها بالطريق السويّ الذي يخلو من المطبّات والأمراض والفساد الإجتماعي، ولكنّه لم يطلق لها العنان أيضاً لتعبِّر عن نفسها بالطريقة التي يعبِّر فيها الشبّان والفتيات في الغرب عن (حيوانية) الغريزة بعيداً عن أبعادها (الإنسانية) و(الإجتماعية) و(الأخلاقية)، فاعتبر المقاربة وسيلة (التناسل) وليس فقط وسيلة استمتاع، إذ لو توقّف النسل لانقطعت الحياة، كما اعتبر الإنسياق وراء الشهوات وإستهلاكها العابث يضعف من إبداعات الإنسان ونموّه وتكامله، إذ لابدّ من إعتماد قاعدة الإعتدال والتوازن. خلاصة ما نودّ أن نقوله هنا، أنّ الحياة الجنسية قابلة للتأجيل المؤقت، أي لحين تكونين مستعدة – من الناحية المبدئية – لإدارة بيت الزوجية: (حسن التعامل مع الزوج) و(حسن إعداد وتربية الأولاد) ولذلك فنحن لا نستطيع أن نحدِّد لذلك عمراً زمنياً معيّناً، فقد ينجح زواج ويفشل آخر لتوافر هذا الشرط أو نقصه من غير أن يكون العمر محدداً. إنّك حينما تصومين في شهر رمضان تمتنعين عن (الأكل الحلال) و(الشرب الحلال) أليسَ كذلك؟ الصوم المؤقت لحين دخولك إلى بيت الزوجية هو من هذا النوع: (الصبر على الحلال) حتى يتوفر، ولذلك فـ(الكنترول) أو جهاز السيطرة بيدكِ وإن وسوس الشيطانُ لكِ إنّكِ لا تملكين الصبر على ذلك، فضبط الغريزة يعني عدم إطلاقها للحرِّية الضارّة (فاللجام والعِقال والمِقود والكابح) بيد الفارس والجمّال والسائق لا بيد الفرس والجمل والسيارة! ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ - الهوامش: (1) الغرور عند الفتيات سلاح ذو حدّين، فهو نافع في عدم الإنسياق وراء الإنفعالات الخارجية، أي إنّه قد يكون عامل صدود ورفض، وهذا شيء إيجابي، وحديثنا هنا عن الجانب الآخر منه الذي يمنع من التشاور والإستشارة. (2) يقول (موريس دبس) في كتابه (ماذا أعلم؟ البلوغ) ص10: "إنّ الفتيات (والفتيان أيضاً) الذي يمرون بظروف حياتية صعبة ينضجن أبكر من المترفين والمترفات اللواتي قد تمتدّ طفولتهنّ إلى بعد العشرين أو ما بعدها، في حين أنّ اللواتي يعانين من صعوبة الحياة أو يعشن تجارب أكثر، يصلن الرشد في سن الثامنة عشرة". (3) الطريف أنّ أحد الروائيّين أشار إلى هذا المعنى في إحدى رواياته حيث أنّ بطل الرواية منشغلٌ بمخبره مستغرقٌ فيه، وبعد فترة طويلة من الإنغماس في التجارب.. التقته فتاة فسألته: هل أنت متزوج؟ قال: ياه.. لقد نسيت!! (4) ألم تقرأي بعض الإرشادات الصحية والنفسية في معالجة الإلحاح الغريزي، إنّ الأطباء ينصحون بالإنشغال بعمل جاد ومجدٍ ونافع وخيِّر وبنّاء، لأنّه (صرف) و(تصريف): صرف عن الخيالات الجنسيّة المؤرّقة، وتصريف للطاقة في أفضل سُبلها. (5) الحديث الشريف حدّد للشبان والفتيات إحدى وجهتين: "مَن استطاع منكم الباه أو (الباءة) – القدرة المعيشية والإعالة – فليتزوج، ومَن لم يستطع فالصوم له وجاء" والصوم كناية عن العفّة أي أن يصوم عن المحارم ويتورّع عن ارتكابها، حتى يحين له أن يفطر بالحلال. (6) نسبة إلى العالم النفسي اليهودي الشهير (فرويد) الذي عزا كلّ أفعال الحياة إلى عامل واحد وهو (الغريزة الجنسية).
|
| |
|