ابو يوسف الجلوي المشرف الاسلامى المميز
عدد المساهمات : 20 نقاط : 24805 السٌّمعَة : 0 تاريخ التسجيل : 15/04/2011
| موضوع: الاربعون النوويه ( الحديث الخامس ) الأربعاء 27 أبريل 2011, 17:33 | |
| شرح حديث (من أحدث في أمرنا)
عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) أخرجه البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
هذا الحديث أصل عظيم من أصول الإسلام وهو كالميزان للأعمال في ظاهرها كما أن حديث (الأعمال بالنيات) ميزان للأعمال في باطنها ، وفيه بيان لحد البدعة والأثر المترتب عليها والتحذير منها ، وفي الحديث مسائل:
الأولى: قوله (من أحدث) الإحداث هو الإبتداع كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله (وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة) رواه أبو داود والترمذي ، والبدعة هي كل قول أو فعل محدث نسب إلى الدين وليس له أصل في الكتاب أو السنة أو الإجماع ، قال ابن رجب "والمراد بالبدعة ما أحدث مما لا أصل له في الشريعة يدل عليه" وقال ابن تيمية "البدعة ما خالفت الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة من الاعتقادات والعبادات" وقال ابن رجب أيضا "فكل من أحدث شيئا ونسبه إلى الدين ولم يكن له أصل من الدين يرجع إليه فهو ضلالة والدين منه بريء" ، والحاصل أن إطلاق البدعة على عمل معين يشترط فيه قيود ثلاثة: 1- أن يكون العمل محدثا. 2- أن ينسب ويضاف إلى الدين. 3- أن لا يكون له أصل في الشرع.
الثانية: الحديث يدل بمنطوقه على أن كل عمل ليس عليه أمر الشرع فهو مردود ويدل بمفهومه على أن كل عمل موافق للشرع فهو مقبول ، والمراد بأمره هنا دينه وشرعه فعلى ذلك يكون المعنى في الرواية الثانية من أحدث في شرعنا ما ليس منه فهو مردود على صاحبه لا يقبل منه ، فالعبرة في قبول ظاهر العمل موافقته للشرع كما أن العبرة في قبول باطن العمل إخلاص النية أما الإعتماد على مجرد حسن النية والمحبة مع عدم مراعاة موافقة العمل للشرع فتصرف باطل مخالف للكتاب والسنة ومنهج السلف الصالح وقد ورد عنهم آثار كثيرة تؤيد هذا الأصل ورأى ابن مسعود رضي الله عنه أناسًا جالسين في المسجد ومعهم الحصى،يكبرون مائة ويهللون مائة ويسبحون مائة فوقف عليهم فقال ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح. قال فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء. ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم، هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبل وآنيته لم تكسر. والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة. قالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير. قال وكم من مريد للخير لن يصيبه رواه الدارمي.
الثالثة: البدع كلها محرمة مذمومة شرعا لقول النبي صلى الله عليه وسلم (وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) رواه النسائي، وليس في الدين بدعة حسنة كما يزعم ذلك أهل البدع وحكم النبي في البدعة قاعدة عامة لا يستثنى منها شيئ ومن استثنى شيئا فعليه بالدليل ولا يحفظ في ذلك شيء مرفوع عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وأما قول الخليفة عمر رضي الله عنه لما رأى الصحابة إجتمعوا على إمام واحد في صلاة التراويح وكانوا يصلون أوزاعا قال "نعمت البدعة هذه" فمحمول على معنى البدعة اللغوي وليس مراده المعنى الشرعي للبدعة فقصد بذلك أن هذا العمل جديد بالنسبة لهم لم يفعلوه بعد زمن النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيد ذلك وجوه: أولا - أن عمر رضي الله عنه هو الذي أمرهم بالإجتماع على أبي بن كعب ولم يكن ليخالف الشرع في أمره وهو من أشد الناس تحريا للسنة. ثانيا- أن هذا العمل له أصل في الشرع وليس بمحدث فقد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الليل في رمضان فصلى رجال بصلاته ثم فعل ذلك الليلة الثانية والثالثة ثم ترك ذلك في الرابعة وقال إني خشيت أن تفرض عليكم. ثالثا- أن اجتهاد عمر مأمورون باتباعه والإقتداء به مالم يخالف كتابا أو سنة كما أوصى بذلك النبي صلة الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الر اشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ).
الرابعة: تجري البدعة في الأمور التعبدية التي يتقرب بها إلى الله ، أما العادات التي لا تشوبها عبادة والأمور الدنيوية فلا مدخل لها في باب البدعة ولذلك يجوز الإنتفاع في كل مايحقق مصلحة دينية أو دنيوية من صناعات الكفار وآلاتهم التي ليست من خصائصهم كما ثبت ذلك من هدي النبي صلى الله عليه وسلم وتصرفاته في أمور المعاش وشؤون الحرب وسياسة الخلق ، والأصل في العبادات الحظر إلا ما دل الشرع على فعله والأصل في العادات الحل إلا ما دل الشرع على منعه قال ابن تيمية في الإقتضاء " ولهذا كان الأصل الذي بنى الإمام أحمد وغيره من الأئمة عليه مذاهبهم أن أعمال الخلق تنقسم إلى: عبادات يتخذونها دينا ينتفعون بها في الآخرة أو في الدنيا والآخرة . وإلى عادات ينتفعون بها إلى معايشهم. فالأصل في العبادات أن لا يشره منها إلا ماشرعه الله. والأصل في العادات أن لا يحضر منها إلا ما حضره الله".
الخامسة: هناك فرق ظاهر بين البدعة والمصلحة المرسلة ، فالبدعة تكون في الأمور التعبدية ويقصد بها التقرب إلى الله وليس لها أصل في الشرع لا في جنسها ولا في عينها ، أما المصلحة المرسلة فتكون في الوسائل ولا يقصد التعبد بها وقد دل الشرع على اعتبار جنسها وليس فيها مخالفة للشرع ومنافاة لمقاصده كاتخاذ عمر رضي الله عنه الديوان وجمع عثمان رضي الله عنه القرآن وبناء المسلمين المدارس والأربطة ونحو ذلك مما ظهرت مصلحته ودعت الحاجة إليه ولم يقم مقتضاه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن يقصد به التعبد ، وبهذا يتبين خلط من يسوي بين البدعة والمصلحة المرسلة ويقيسها عليها وقد يلبس على الناس بهذا والله المستعان.
السادسة: تنقسم البدعة من حيث الحكم إلى قسمين: 1- بدعة مكفرة: وهي كل ما اشتملت على شيء من نواقض الدين كبدعة غلاة القدرية والجهمية وأهل الإتحاد ووحدة الوجود من الصوفية والرافضة القائلين بتحريف لقرآن وتكفير الصحابة وعصمة الأئمة ، وبدعة تصحيح الأديان وبدعة ترك الإحتجاج بالسنة والقول بأن أحكام الشريعة لا تصلح لهذا الزمان وتجويز الحكم بالقوانين الوضعية وغير ذلك. 2- بدعة مفسقة: وهي كل ماخلت من نواقض وكانت دون الكفر كغالب البدع العملية والسلوكية التي لا تصل إلى حد الجحود أو الشك أو الإشراك.
السابعة: البدعة على أنواع: 1- بدعة في الإعتقاد: كاعتقاد علم الغيب لأحد من الخلق أو أن هناك أبدالا يتصرفون في الكون أو أن الكون خلق من نور محمد ونحو ذلك مما تعلق بأصول الدين كأسماء الله وصفاته وأفعاله والنبيين والغيب . 2- بدعة في العبادة: كابتداع صلوات وأذكار وأوراد وأدعية وأعياد على هيئة غير مشروعة كصلاة الرغائب والمولد النبوي ويوم وليلة الإسراء والمعراج وأعمال رجب وغير ذلك مما يتعلق بالعبادات. 3- بدعة في السلوك: كالتقرب إلى الله بتحريم الحلال وتحليل الحرام كالإمتناع عن لبس ناعم الثياب والزواج وأكل اللحم والتنعم بالمباحات ، والتقرب إلى الله بإستماع المعازف والنظر إلى المردان وغير ذلك مما يتعلق بالسلوك. 4- بدعة في الدعوة إلى الله: كإحداث طرائق مبتدعة مخالفة لمنهج السلف الصالح كتجميع الأتباع تحت راية دون النظر إلى عقائدهم وتباينهم والتسامح معهم في ذلك بإسم العمل للإسلام ، وكذلك أخذ البيعة من الأتباع لصالح الجماعة وعقد الولاء لها والسمع والطاعة المطلقة ، وكذلك إلتزام الخروج والسياحة في الأرض لغرض الدعوة ووضع لها طقوس محددة واعتقاد أنها طريقة لتزكية النفس وغير ذلك مما يتعلق بطرق الدعوة ومناهجها .
الثامنة: فاعل البدعة على أحوال: 1- أن يتقرب إلى الله بعمل لا يشرع مطلقا كالتقرب بترك النكاح. 2- أن تكون العبادة مشروعة في حال فيتقرب بها في حال لم تشرع فيه كالرجل الذي نذر أن يقوم في الشمس فأنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم مع أن القيام مشروع في الأذان والصلاة. 3- أن يتقرب لله بعبادة نهى عنها الشرع كصيام يومي العيد والصلاة وقت النهي بلا سبب. 4- أن يتقرب إلى بعبادة أصلها مشروع ثم يدخل عليها ما ليس بمشروع كإحداث صفات مبتدعة في الوضوء والأذان والصلاة والأذكار.
التاسعة: من أحدث بدعة ودعى الناس إليها فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة ، ومن دعى الناس إلى سنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيئا ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها و وزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيئا) رواه مسلم.
العاشرة: جنس البدعة أشد من جنس المعصية لأن العاصي يعمل الذنب لشهوة من غير إعتقاد وهو في قرارة نفسه يعلم أنه مخالف للشرع ودائما يحدث نفسه بالتوبة ، أما المبتدع فيعمل البدعة عن اعتقاد أنها من الدين ويتقرب إلى الله بذلك ولا يزداد إلا إصرارا على بدعته كما قال تعالى (أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا) وقال سفيان الثوري "البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأن المعصية يتاب منها والبدع لا يتاب منها" ، وفي الأثر أن إبليس قال أهلكت بني آدم بالذنوب وأهلكوني بالإستغفار وبلا إلاه إلا الله فلما رأيت ذلك بثثت فيهم الأهواء فهم يذنبون ولا يتوبون لأنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا). | |
|